مراهق في الثمانين

صـَبآح \\ مسآء العـَنبرٍ







شاء الله أن نلتقى فى أحد المحلات المجاورة لبيتنا الجديد


بعد فترة وجيزة علمنا أنه يدير هذا المحل


دارت بيننا حوارات كثيرة مكتظة بكلمات الحفاوة والترحيب بنا كجيران جدد


احتل نقطة فى قلوبنا كرجل يقدر الجوار والصداقة وحب الناس


ولأننا فقدنا جميع أجدادنا ، سمحنا له أيضاً بشغل تلك المكانة


أحببناه حقاً ، و منحناه ثقةً غير عادية


و لصعوبة تجدد اللقاء أو تكراره ، تبادلنا أرقام هواتفنا المحمولة


توالت الإتصالات للإطمئنان علينا و زيادة جرعات الحفاوة المبالغ فيها


كنت أقدر كبر سنه وشعوره بالوحده ، فجميع أولاده تزوجوا وسافروا خارج البلاد


ثم انفصاله عن زوجته الذى زاد الأمر تعقيداً .


بعثت له رسائل كثيرة فى كثير من الأعياد والمناسبات فقط لأهنئه .


دارت عجلة الحياة وسحبتنا فى دواماتها التى تنسينا أنفسنا ، فبالأحرى نسيناه


لم أكن أعلم بتلك القوة الخفية التى يوّلدها بداخلنا الفراغ والوحدة


قوة تبعث إنفجارات من الطاقات السلبية التى تدمرنا وتؤذى من حولنا


رأيت فيه نموذجاً متكاملاً لرجل طحنته الوحدة وقتله الفراغ


بدأت معاملاته تتبدل شيئاً فشيئاً


بدأ فى تقليص محيط الدائرة وتسليط الأضواء والإهتمام على شخص واحد " انا "


فى بداية الأمر لم أكن أشعر بأى شىء غريب ،
فهذا من اعتبرته جدى ولما لا أتركه يشارك أحفاده بعض اللحظات ؟


شعرت آذانى بنوع من التخدير الموضعى وعدم المبالاة بكلمات ترددت آلاف المرات عليها


" انتم احفادى .. انتم ابنائى .. انتم أغلى من عرفتهم بحياتى وأقربهم لقلبى .... "


لا أنكر إننى فى بعض المرات كنت استمع له بشدة عندما يغترف لى حكايات من نهر خبرة السنين


مع الوقت بدأت أشعر بأن هناك خطأ ما استشعره من بين كلماته ولكن سرعان ما أغتال ظنونى


تغيرت كلماته كثيراً وحملت معان أخرى وتحدثت لضمير مخاطب واحد


" انتِ حفيدتى .. انتِ عزيزتى .. انتِ ... انتِ ... حبيبتى .... "


لم أتردد ثانية فى إغلاق الهاتف دون سابقة إنذار ،
حتى أننى وضعته أيضاً فى قائمتى السوداء ليتعثر عليه الوصول إلىّ


لم أتحمل هول المفاجأة وبكيت كثيراً



يجب أن أعيد حساباتى جيداً وأتعلم تقديرى للمواقف


يجب أن أفكر آلاف بل ملايين المرات قبل أن أضع ثقتى فى أحد


مسحت هذا الموقف بل هو نفسه من ذاكرتى حتى لايعكر صفو حياتى


غيرت رقم هاتفى لأبدأ حياتى من جديد


لم أكن أعلم أنه قُدّر لى مقابلته مجدداً


عاتبنى كثيراً جداً ، لم استطع أن أتفوه بنصف حرف ، صدمنى مارأيته فى عينيه


بريقاً لم أشهده فى عين أخى الذى لم يتخطى السابعة عشر من عمره .


دارت فى مخيلتى أفكار شريرة كانت تدفعنى لأقتله ، أو أقتل نفسى


تركته بعد وعود مزيفة منى بمعاودة الاتصال به وارسال رقمى الجديد له فى رسالة


فكرت كثيراً فى انتشال هذا المراهق العجوز من وحدته المميتة


جاهدت كثيراً إلى أن وصلت لرقم هاتف إحدى بناته
وطلبت بل توسلت إليها أن ترحم أبيها ولو بمكالمة واحدة أسبوعياً


تأثرت كثيراً لما قصته لها عنه ، ولكنها اكتفت بالإعتذار
ووعود (أظنها مزيفة ومؤقتة) بتنفيذ توسلاتى


طلبت منها أيضاً رقم هاتف آخر احتجت إليه جداً


قمت بتنفيذ وعدى له ، عاودت الإتصال من رقم أبى


ظنه رقمى فأخبرته أنه ليس هو وأننى سأرسل له الرقم فى رساله كما وعدته


و رجوته بأن يكتفى بإرسال الرسائل فقط ولا يفكر فى الإتصال بى


حتى إن أرسل رسالة لا يذكر فيها اسمى قط


وافقنى آملاً أن أبدل تفكيرى يوماً ما وأعاود الإتصال به أو حتى أقبل إتصاله بى...


فتحت هاتف أبى وشرعت فى كتابة الرقم ...


لا .. لم أكن مغفلة هذه المرة ....



توسلت إليه أن لا يشعر بأى جرح فى عدم سؤالى عنه لأننى لن أسأل عنه ثانيةً

وأنى كنت أحترمه جداً وأضعه فى مكانة جدى ...


ثم كتبت هذا الرقم الذى أخذته من ابنته ،


علّه يكون طوق النجاة .. لى و له


إنه رقم هاتف رفيقة عمره التى أحبها سنوات طوال وانفصل عنها لأسباب واهية

\

دمتم سالمين

منوررررر التوبك يا عسل
اعجبني مرورك
ننتظر جديدك

يسلمووووووو على مرورك
يا محمد
دائما مشرق